Translate

الجمعة، 3 أبريل 2015

كشف وجه المرأة بين المانعين والمجيزين


الحجاب الشرعي بين القائلين بكشف الوجه واليدين وبين المانعين
ايوب العماني.  ملتقى أهل الحديث .

الجمهور يرى أن كشف الوجه واليدين ليس بواجب - أي أنه لا يفضي للإثم - .. ويوجد خلاف كبير بين من يرى حرمة كشف الوجه وبين من يرى جوازه .. والأدلة هنا تتلاطم ولا يصمد لها الناس بيت أبو كلمة وكلمتين .. تحتاج لكبوش نطاحين يوغلون فيها غوصا .. هناك فرق بين أدلة وحكم ظاهري .. و بين التأمل في الأدلة وقياس النص على النص وإخراج المتشابه من المحكم والبحث عن النصوص وأسباب ورود النصوص .. مثل هذه المسائل لا تمشي على طريقة ( كلمة ورد غطاها ) .. لأن الخلاف فيها قديم .. والخلاف فيها كبير .. والأدلة فيها كثيرة .. والجمهور على أن كشف الوجه للمرأة المتوسطة التي ما هو بمحرم وما وجهها بعورة .. ومن يرى تحريم كشف الوجه إنما استدلاله على المتشابهات من الأدلة ولا يوجد صريح دلالة من قول النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم كشف الوجه ولا الكفين .. وأما قول الله تعالى : ( يدنين عليهن من جلابيبهن )التي استدل بها القائلون بالتحريم .. فهم مطالبون قبل الجزم بالتحريم بشرح معنى ( جلابيبهن ) .. لو ثبت أن الجلباب هو ما يغطى به الوجه عندها يصلح الكلام .. وفي قوله تعالى : ( وليضربن بخمرهن على جبوبهن ) قبل هذا أيضا استدلوا به على التحريم .. وهو عام جدا .. قبل القول بالتحريم هم مطالبون بتوضيح ما معنى ( جيوبهن ) .. ليس أحد من العرب سمى الوجه جيبا ! .. والجيب معلوم أنه ما كان تحت الذقن لا الذي فوقه .. ولا يخالف في هذا إلا مكابر .. ولما تُؤمر المرأة المسلمة بضرب الخمار من رأسها على جيبها .. فإن ذلك لا يعني ستر الوجه بل يعني ستر الجيب والذي يشمل العنق والنحر .. وهذا معمول به اليوم في أطراف العالم الإسلامي بالهيئة المعلومة بلف الرأس بالخمار ثم تحنيك الذقن به فلا يبدو منها إلا وجهها وحسب .. هذا هو ضرب الخمر على الجيوب .. أي تعطية النحور .. لأن الوجه ليس جيبا حتى يُصرف معناها لتغطية الوجه استنادا لهذه الآية .. نعم لا خلاف على تغطية الراس والشعر .. ولكن ليس الوجه مقطوعا بوجوب تغطيته .. وتوجد آثار وطرق أحاديث عن أمهات المؤمنين كلها عامة الدلالة .. وليست هي مما تعبدنا الله بأن نحرم ونحل على أساسها لأنها من أفعال أمهات المؤمنين .. وبعضها خاص بأمهات المؤمنين .. ولا يدل شئ صراحة على التحريم القطعي .. بل يوجد ما يبيح كشف الوجه بغير سبب ولا أي عذر .. وكل من علل ظهور وجه المرأة بأسباب فإنما تكلف من عنده ما ليس من النص ولا دل عليه النص لأن الأصل فيها العموم .. لا دليل عند أحد أن المرأة سفعاء الخدين كانت من الموالي أو من الكبيرات في السن .. وبحسب القائلين بتحريم كشف الوجه ما رواه البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر .. فقالت إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحح عنه ؟ .. قال : نعم " ( رواه البخاري ) .. لا يمكن أن يكون الفضل ينظر إلى العباءة إن كانت تغطي وجه المرأة حتى يعمد رسول الله إلى صرف وجه الفضل للشق الآخر .. مع العلم أن الفضل كان رجلا جميلا صبوح الوجه .. وكانت تنظر إليه .. فما أدرى ابن عباس أنها كانت تنظر إليه إن كان تحت عباءة وغشوة ؟ ومع ذلك لم يأمرها رسول الله بالإنصراف ولا بغطاء وجهها وإنما أجابها .. وما زاد أن صرف وجه الفضل عن الوقوع في الفتنة .. ولو كان محرما حقا لنزل قرآن أو لقال رسول الله شيئا وقتها يقطع على الجزم بتحريم كشف وجه المرأة المسلمة .. وربما استدل مستدل على قوله لعائشة وحفصة عندما كانتا تنظران إلى ابن أم مكتوم فكره ذلك فقالتا : إنه رجل أعمى .. فقال : " أفعمياوتان أنتما ؟ " .. هذا أيضا لا يدل على التحريم ولا فيه أي مفاد للتحريم - لمن ينظر في الحديث بفقه وبإعمال القواعد الأصولية في استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة .. لا يوجد فيه تحريم ولا شبه تحريم .. وإنما غايته أنه غار من نظر زوجتيه إلى رجل أجنبي عنهما حتى لو كان أعمى .. وأدلة استحباب الغيرة ومفاخرته صلى الله عليه وسلم بشدة غيرته أدلة مستفيضة .. وهذا من ذالك الباب .. وهو يقطع على من يقول إن منعه كان حكما .. بل كان أمرا شخصيا مبنيا على الغيرة .. وهو حقه .. ولو كان محرما حقا لما ناقشتاه بأنه أعمى .. فكان جوابه لهما من باب العتب والتقريع لا من باب التحريم والنذير .. الكلام في هذا طويل ولا تكفيه جلسة ارتجالية كهذه .. ثم ينتظر كل واحد لما سمعه من شيخ أو لما أعجبه من قول .. الأمر يحتاج للإستدلال ونقاش الدليل وشرح النصوص بالنصوص ودفع ما ظاهره التعارض .
القاعدة في مثل هذه المسائل هو شرح النص بالنص .. وقياس الدليل على الدليل .. وعدم الإقتصار على نص واحد وجعله مفادا للتحريم .. كل ما فيه إنما هو مفصل موضح بأدلة أخرى صحيحة تزيل اللبس وتوضح موطن مظنة التعارض . 
ثم إنهم الان في آخر الزمان جعلوا السواد هو الحجاب الشرعي وعلامة الديانة وكرهوا ما دونه قياسا على أدلة إما عامة الدلالة وإما أنها مشتبهة الدلالة بينما الأمر الشرعي بالستر لا باللون .. وفعل ناس من الصحابة لشئ لا يجعله سنة أو استحبابا شرعيا مادام فعل رسول الله صلى الله عليه لا يلزم منه الوجوب ولا الإستحباب على كل حال ( من الناحية التكليفية ) فكيف بفعل من هو دونه ؟ 
أما من يلبس أهله العباءة ويأمرهن بتغطية الوجه من باب الغيرة فذلك شأنه .. - مثلما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر زوجتيه لابن أم مكتوم - .. ولكن أن يعمد أحدنا لتحريم ذلك على عباد الله من باب القطع بحكم تكليفي .. فذلك يحتاج لكثير من الجبن وأن يعلم أحدنا ما الذي يقوله ويحرمه على عباد الله .

هذه مسألة كبيرة وطال فيها الكلام منذ 14 قرنا .. ولو كان بهذا اليسر لقدر جهابذة الإسلام على قطع القول فيه طول هذا الزمان .. ولكن مسائل الخلاف بين أهل السنة والجماعة ما مال فيها لليسر لهو خير مما مال للشدة .. وذلك عليه أدلة متواترة من قول النبي صلى الله عليه وسلم .. وأسأل الله أن يهدي الجميع للحق . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق