Translate

الجمعة، 13 يوليو 2012

البشارة برمضان

بقلم : د.سلمان الداية

إن الحمد لله نحمده نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل لـه ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحدة لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وبعد ...
أيها الناس ، ها هو نسيم شهر الصوم قد اقترب وانتشر شذاه ؛ ليملأ الفضاء ، يتنسمه المؤمنون عبيراً عاطراً . مرحباً بضيف عزيز غال طالما انتظرناه على ترقب وشوق ، ما أطول دَقَائقَ هَذِهِ الأيامِ التي تفصل بيننا ، لتعمنا بظلك الوارف المبارك .
ما أكثر ما تبتهج بك النفوس وما أعظم ما تزداد فيك القلوب إيماناً وإحساناً . كان النـبي e يبشر بقدومك الأصحابَ ، فعن أبي هريرة t :  كـان النبي e يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ يقول : ( قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، كُتب عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حُرم خيرها فقد حرم ) . أخرجه النسائي وقال الألباني صحيح.
ما أجملها من بشارة يُبشَّرُ بها المؤمن بفتح أبواب الجنان ، ويُبشَّرُ بها المذنب بغلق أبواب النيران ، ويُبشَّر بها الناس أجمعون بغل الشياطين وشد وثاقهم ، فمن أين يشبه هذا الزمانَ زمانُ .
جاء شهر الصيام بالبركات             فاَكْرِم به من زائر هو آت

قد كان سلفنا الصالح y يسألون الله تعالى أن يبلغهم موسم رمضان ؛ فقد ذكر ابن رجب في لطائفه ؛ عن مُعَلَّى بن الفضل قال : كانوا يَدْعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم .
وعن يحيى بن أبي كثير قال : كان من دعائهم ، اللهم سَلمْني إلى رمضان وسَلِّمْ رمضان إليَّ وتسلمه مني متقبلاً . ابن رجب/ لطائف المعارف (280) .
وَجَّهُوا إليه بَالِغَ اهتمامهم وغاية حرصهم إدراكاً منهم لعظيم أثره على النفوس ، وكثرة فضائله ، وتعدد مزاياه فيما يتعلق بمصلحة المرء في دنياه وأخراه.

أتى رمضان مـزرعة العباد            لِتطهير القلوبِ من الفسادِ
فأدِّ حُقُوقَهُ قـولاً وفـعــلاً          وزادَك فاتخذهُ إلى المعـاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها         تـأوَّه نَادِمَاً يومَ الحصـادِ

عن أبي هريرة t قال: كان رجلان من قضاعة أسلما مع النبي e واستُشهد أحدهما وأُخِّر الآخر سنة. قال طلحة بن عبيد الله: فأُريْتُ فيها المؤخَّر منهما أُدخل قَبْلَ الشَّهيد، فعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك لرسول الله e فقال رسول الله e ( أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا ركعة صلاة السَّنة ) رواه أحمد.
فيا من تأخر عن معسكر الفرسان، وطالت غيبته عن مواطن الإيمان، قد اقتربت أيام المصالحة.
يا من دامت خسارته واشتدت فاقتهُ ، قد أقبلت أيام التجارة الرابحةِ، من لم يقرب في هذا الشهر من مولاه، فهو على بعده لا يبرح، ومن لم يربح فيه ففي أيِّ وقت يربح؟!
عن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال: صعد رسول الله e المنبر فلما رقي عتبتةٌ، قال: (آمين). ثم رقي أخرى فقال: ( آمين ). ثم رقـي عتبـة ثـالثة، فقـال: ( آمين ). ثم قـال: ( أتـاني جبريل فقال: يـا محمد، مـن أدرك رمضان فلم يغفر له؛ فأبعده الله، فقلت: (آمين). قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار؛ فأبعده الله، فقلت: (آمين). قال: ومن ذُكرتَ عنده فلم يـصل عـليك ؛ فأبـعده الله، فـقلت: ( آمين ). رواه ابن حبان . وقال الألباني : صحيح .
أخي ، لا تدع رمضان يمر وينقضي من غير أن تُرِيَ الله منك حِرْصا، وأن يصعد إليه منك عمل صالح؛ فإن الصوم من أجلِّ الطاعات وأنفس القربات سيما رمضان ؛ وقد ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – في فضل الصوم ورمضان أحاديث تميط اللثام عن رتبة الصوم ومزاياه، إليك بعضاً منها :

أولاً: الصوم لله : عـن أبي هـريرة t قـال: قـال رسـول الله e : (قـال الله – عز وجل – كل عـمل ابـن آدم لـه، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به...) وذكر الحديث. رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للترمذي: قال رسول الله e : (إن ربكم يقول: كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي، وأنا أجزي به...) وذكر الحديث. قال الألباني صحيح لغيره
وفي رواية لمسلم : قال : (كـل عمل ابن آدم له يضاعف ؛  الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى : إلا الصوم ، فإنه لي، وأنا أجزي به، يدعُ شهوته وطعامه من أجلي ... )  وذكر الحديث.
ثانياً : تفوق الصوم : عن أبي أمامة t قال: قلت: يا رسول الله، مرني بعمل. قـال: ( عليـك بالصوم؛ فإنـه لا عـِدْل له ). قلت: يا رسول الله ، مـرني بـعمل. قـال: ( عليك بالصوم؛ فإنه لا عـِدْل لـه). رواه النسائي وابن خزيمة والحاكم . وقال الألباني صحيح
وفي رواية للنسائي : قال: أتيت رسول الله e فقلت: يا رسول الله، مرني بأمر ينفعني الله به. قال: (عليك بالصيام، فإنه لا مِثْلَ له) وقال الألباني صحيح .
وفي رواية لابن حبان قـال : قلت: يا رسول الله، دلني على عمل أدخل به الجنة. قال: (عليك بالصوم؛ فإنه لا مِثْلَ له ) وقال الألباني صحيح .
قال: وكان أبو أمامة لا يُرى في بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل بهم ضيف. إشارة إلى كثرة صومه إلا إذا اقتحمه الضيف . وقوله : ( لا مثل ) : أي في كثرة الثواب ، أو في كسر الشهوة وتهذيب النفس . انظر : حاشية السندي على سنن النسائي (4/474) .
ثـالثاً : شفاعة الصوم : عن عبد الله بن عمرو t أن رسول الله e قال : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان). رواه أحـمد   و الطبراني ، وقال الألباني : حسن صحيح .
رابعاً : الصوم وقاية من النار: عن أبي هريرة t أن رسول الله e قال: (من صام يوما في سبيل الله، زحزح الله وجهه من النار بذلك اليوم سبعين خريفاً ). رواه النسائي والترمذي ، وقال الألباني : صحيح .
وعن أبي أمامة t قال: قال رسول الله e : (من صام يوما في سبيل الله؛ جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض ). رواه الترمذي وقال الألباني : حسن صحيح .
وعن أبي سعيد t قال: قال رسول الله e : (ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله تعالى، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه على النار سبعين خريفاً ). رواه البخاري ومسلم
وعن عثمان بن أبي العاص t قال: سمعت رسول الله e يقول: (الصيام جنة من النار، كجنة أحدكم من القتال، وصيامٌ حسـنٌ ثلاثة أيام من كل شهر ). رواه ابن خزيمة وقال الألباني : صحيح .
خامساً : الصوم سبيل إلى الجنة : عن حذيفة t قال: أسندت النبي e إلى صدري، فقال: ( من قال: لا إله إلا الله، خُـتِمَ لـه بها؛ دخل الجنة ؛ ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ، خُتِـم لـه به ؛ دخل الجنة. ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ، ختم له بها؛ دخل الجنة ) . رواه أحمد وقال الألباني : صحيح .
سادساً : الريان باب الصائمين: عن سهل بن سعد t عن النبي e قال: (إن في الجنة باباً يـقال لـه: الريّان؛ يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون فيـدخلون فإذا دخلوا أغلق عليهم ، فلم يدخل منه أحد).رواه البخاري ومسلم .
 وزاد ابن خزيمة (للصائمين بابٌ في الجنة يـقال لـه الريان لا يدخل فيه أحدٌ غيرهم ، فإذا دخل آخرهم أُغلق، ومن دخل شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا). قال الألباني : صحيح.
سابعاً : الصوم سبيل إلى غرف الجنة: عن علي t عن النبي e قال: (إن في الجنة غرفا يُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها ). قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: (لمن طَيَّبَ الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام). رواه الترمذي وأحمد والحاكم وقال الألباني : حسن .
ثامناً: فضل خُلُوف فم الصائم : عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e : (قال الله عز وجل... وذكر الحديث حتى قال: (والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) رواه البخاري ومسلم والخُلُوف: بضم الخاء، تغيُّر رائحة الفم من الصوم. انظر ابـن حجر الهيتمي / خصوصيات الصوم (28).
تاسعاً : الصوم سبيل إلى إجابة الدعاء : عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله e : (إن للصائم عند فطره لَدعوة ما تُرد). أفاد الهلالي في صفة صوم النبي e أنه حسن بشواهده ، وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
عاشراً : الصوم يدفع الفتن: عن حذيفة بن اليمان t قال: قال e : (فتنة الرجل في أهله، وماله، وجاره تكفرها الصلاة، والصيام، والصدقة). رواه البخاري ومسلم.
حادي عشر : صوم رمضان وقيامه سبيل إلى غفران الذنوب : عن أبي هريرة t قال : قال رسول e : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) . رواه النسائي ، وقال الألباني : صحيح .
وعن عائشة زوج النبي e : أن رسول الله e كان يرغب الناس في قيام رمضان ، من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه ، فيقول : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) . رواه النسائي ، وقال الألباني : حسن صحيح .
قال الخطابي : " قوله : إيماناً واحتسابا ؛ أي : نية وعزيمة ، وهو أن يصومه على التصديق والرغبة في ثوابه ؛ طيبة به نفسه ، غير كاره له ، ولا مستثقل لصيامه ، ولا مستطيل لأيامه ، لكن يغتنم طول أيامه لعظم الثواب " .
وعن أبي هريرة t عن رسول الله e قال : ( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) . رواه مسلم
ثاني عشر : في رمضان ليلة خير من ألف شهر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e : ( أتاكم رمضان شهر مبارك ، فرض الله فيه عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حُرم خيرها فقد حُرم ) . رواه النسائي ، وقـال الألباني : صحيح .
وعن أنس بن مالك t قال : دخل رمضان ، فقال رسول الله e : ( إن هذا الشهر قد حضركم ، وفيه ليلة خير من ألف ، من حُرمها فقد حُرم ، الخير كله ، ولا يحرم خيرها إلا محروم ) . رواه ابن ماحة ، وقال الألباني : حسن صحيح .
ثالث عشر : رمضان عتق من النار : عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : ( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفدت الشياطين ومردة الجن ... وذكر الحديث حتى قال : ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة ) . رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، والبيهقي ، وقال الألباني : حسن .
وعن أبي سعيد الخدري t قال : قال رسول الله e : ( إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني في رمضان – وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة ) . رواه البزار ، وقال الالباني : صحيح لغيره .
رابع عشر : رمضان طريق إلى الصديقية : عن عمرو بن مرة الجهني t قال : جاء رجل إلى النبي e فقال : يا رسول الله ! أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليتُ الصلوات الخمس ، وأديت الزكاة ، وصمت رمضان ، وقمته ، فممن أنا ؟ قال : ( من الصديقين والشهداء ) . رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان ، وقال الألباني : صحيح
خامس عشر : العمرة في رمضان بحجة فيما سواه : عن ابن عباس قال : قال رسول الله e لامرأة من الأنصار : ( إذا كان رمضان ، فاعتمري فيه ، فإن عمرة فيه تعدل حجة ) . رواه النسائي وابن ماجة ، وقال الألباني : صحيح .
سادس عشر : نزول القرآن في رمضان : قال الله تعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان " . البقرة آية (185)
عن واثلة بن الأسقع t أن رسول الله e قال : ( أنزلت صحف ابراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لستٍ مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشر خلت من رمضان ، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان ) . رواه أحمد ، وقال حمزة الزين : حسن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق