Translate

الأربعاء، 28 مارس 2012

شبهة حول حروب الردة والفتوحات الاسلامية

شبهة حول حروب الردة والفتوحات الإسلامية :-

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد : سألني أحد الإخوة الأفاضل منذ فترة طويلة سؤال يقول : هل ثبت أن / أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد استعان بالمرتدين بعد أن رجعوا إلى الإسلام في الفتوحات الإسلامية .

فأحببت أن أعيد نشر هذا السؤال بالإجابة لتعم الفائدة وبالأخص للذين لم يطلعوا على الرد من قبل .

إن موضوع حروب الردة وما نتج عنها وما تلاها من فتوحات إسلامية، جعلت بعض المستشرقين يطعنون في هذه الفتوحات ويقولون : إن الذين شاركوا في هذه الفتوحات هم في الأصل كفار قد ارتدوا عن الإسلام، وحتى بعد أن حاربهم / أبو بكر وأعادهم إلى الإسلام فإن الإيمان لم يتغلغل بعد في قلوبهم مرة أخرى وهكذا .

وموضوع حروب الردة والفتوحات الإسلامية موضوع مهم، وقد وقع فيه كثير من الكتاب والمؤلفين واتهموا أقواماً – يدخل من ضمنهم الصحابة بلا شك - بالردة معتمدين على لفظ التعميم : ( وقد ارتدت العرب جميعاً، ولم يبقى سوى مكة والمدينة وبعض المناطق بينهما )، أو قول أم المؤمنين / عائشة رضي الله عنها كما عند / ابن أبي شيبة في المصنف (14/572) : ( لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب قاطبة واشرأب النفاق )

ثم تأتي هذه الشبهة من المستشرقين : ( أنه طالما قد ارتد كل العرب ما عدا مكة والطائف والمدينة فلا بد أن جيوش الفتوحات كان فيها الكثير من المرتدين )، وإذا قلنا لهم : أنهم أسلموا، قالوا : ( إما إن إسلامهم سطحي لأنهم جديدون به، بل مكرهون عليه )، وإما يقولون : ( أنهم لم ينضموا للإسلام بالأصل فالحرب كانت لإجبارهم على الزكاة وبالتالي فلا دليل على أنهم قد دخلوا للإسلام )

وللرد على هذه الشبهة نقوم أولاً بإبطال زعمهم بأن جميع العرب قد ارتدوا، فإن بطلت هذه الشبهة بطلت شبهتهم الأخرى التي تعتبر نتاجاً لها، فإن بطلت الشبهة الأولى ونتيجتها، لا يكون بعدها مجال للقول بأن المرتدين شاركوا في حركة الفتوحات الإسلامية .

وكنت قد كتبت منذ فترة طويلة، بحث مصغر حول موضوع ردة القبائل العربية، تناولت فيه وبنظرة شمولية وسريعة، جانباً هاماً من جوانب فتنة الردة التي حدثت في خلافة / أبي بكر الصديق رضي الله عنه، إثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الجانب هو :-

1 - من هم الذين ثبتوا على الإسلام في هذه الفتنة ؟ 2 - وهل ارتد كل العرب كما يقول بعض الكتّاب ؟ 3 - أم ارتد معظمهم كما يقول البعض الآخر ؟

وتبرز هذه النظرة، حقائق تاريخية هامة مستخلصة من بعض المصادر والمراجع المعتمدة في تاريخ هذه الفترة، حيث تدل على أن القبائل والزعماء والأفراد المسلمين خارج المدينة ومكة والطائف، لم يرتدوا جميعاً أو معظمهم كما حاول أن يفهمنا بعض الكتّاب .

وإن هذه النظرة سوف تصحح مفاهيم بعض الذين تناولوا هذه الفتنة بشيء من التعميم، أو عدم الدقة والموضوعية أو النظرة الجزئية، بل إن مثل هذا التناول من جانب بعض الكتّاب المسلمين، يدخلهم في محظور شرعي وهو اتهام بعض الصحابة بالردة، ووصف خير القرون بأنه قرن فتنة شملت معظم المسلمين، ومن بينهم الصحابة رضي الله عنهم، وفي هذا مخالفة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) أخرجه / البخاري (3650) و / مسلم رقم (6424)

ثم إن مثل هذا المنهج في تناول تاريخ هذه الفترة يعطي لأعداء ديننا من مستشرقين وملاحدة ومن سار على نهجهم، الحجج التي يطعنون بها في الإسلام، وبأنه كان ضعيفاً، وأن دخول الناس فيه كان شكلياً وكان رهبة لا رغبة ولا عن اعتقاد .

فالباحث لا ينكر وجود المنافقين في المجتمع الإسلامي، داخل المدينة وخارجها كما هو مبسوط في القرآن الكريم، وخاصة سورة المنافقين والتوبة حتى إنه عرفت الأخيرة بالفاضحة أو الكاشفة، هم الذين نزل فيهم قول الله تعالى : { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم … } التوبة / 101 حيث إن هؤلاء المنافقين كانوا يستغلون أي ظرف يرونه مواتياً لإثارة الفتن، فقد خرج / الأسود العنسي، على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع في العام العاشر الهجري، كما جاء في الصحيح . انظر / البخاري مع الفتح (7/693 )، ولم يعرف أنه كان مسلماً حتى يقال إنه ارتد عن الإسلام، وكذلك / مسيلمة الكذاب، الذي قال : إن جعل لي / محمد الأمر من بعده تبعته / البخاري مع الفتح (7/690 )، وكذلك / سجاح التميمية، كانت نصرانية ولم تدخل الإسلام أصلاً . انظر : البداية والنهاية (6/320 )

أما أحداث هذه الفتنة التي وقعت فإنها لم تحظ من قبل الباحثين أو المؤرخين المحدثين بدراسة منفردة، تلقي الضوء ساطعاً على موقف الجماعة الإسلامية التي ثبتت في هذه الفتنة، ودور قادتها وأفرادها في قمعها، والتمسك بدينهم حتى كانوا كالقابضين على الجمر .

وكان من حقائق هذه الفتنة أنها لم تكن شاملة لكل الناس، بل إن هناك قبائل وقادات وجماعات وأفراد تمسكوا بدينهم في كل منطقة من المناطق التي ظهرت فيها الردة، وإذا أريد لهذه الحقيقة أن تكون جلية فلا بد من الاعتماد على المصادر الأساسية التي اهتمت بهذه الفتنة، أما المراجع الحديثة فقد تناولت هذه الحركة، لكن تناولها كان فيه بعض القصور وشيء من عدم الدقة، والأمثلة على ذلك كثيرة أكتفي بإيراد بعض الآراء، والتي سأتناول الرد عليها أثناء سرد أحداث الردة في بعض المناطق، وأنا حين أذكر هذه الأمثلة ليس هدفي تجريح أو انتقاص مؤلفيها، ولكنني أشعر بالواجب علي أن أذكر وأورد آراء هؤلاء الأساتذة، من باب قوله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم } البقرة / 159-160 وأعتقد أن ما أورده هؤلاء الأساتذة لا يعدوا أن يكون اجتهاداً يحتمل الخطأ والصواب، وإذا وقع الأول فلا أشك لحظة واحدة في حسن قصدهم، ولكن أياً كانت الحقيقة فهدفي هو الوصول إليها عبر مناقشة علمية أمينة .

وسأحاول في السطور التالية إن شاء الله تسليط الأضواء ساطعة بقدر الإمكان لرؤية الحقيقة الكاملة والشاملة قدر المستطاع، وفي ذلك رد كاف على من كتب في هذا الموضوع دون أن يمحص أو يغوص في بطون المصادر، وكذلك هو رد على المستشرقين حين يتهمون المسلمين الفاتحين بأنهم كانوا مجبرين على الجهاد وأن من جاهد معهم كان من المرتدين .

إن أول حقيقة يستخلصها القارئ هي أنني لم أجد ما يدل على أن القبائل والزعماء والأفراد المسلمين قد ارتدوا جميعاً، كما ذكر أولئك النفر .

أخرج / البخاري عن / أبي هريرة رضي الله عنه : ( لما توفي رسول الله وكان أبو بكر رضي الله عنه، كفر من كفر من العرب، فقال / عمر رضي الله عنه : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ) فقال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله، لقاتلتهم على منعها . قال / عمر رضي الله عنه : فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر / أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق ) / البخاري مع الفتح (3/308)

لم يقتصر انتشار الإسلام على أهل المدينة فحسب، بل قام بعض المسلمين من خارج مكة بتبليغ الدعوة إلى قبائلهم، كما فعل / أبو ذر الغفاري و / الطفيل بن عمر الدوسي رضي الله عنهما، ولما قامت دولة الإسلام بالمدينة اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال الدعاة إلى البوادي لدعوة القبائل رغم الأخطار التي كانت تحدق بالوفود، كما حدث في الرجيع وبئر معونة، ولما كان عام صلح الحديبية وجه الرسول صلى الله عليه وسلم الرسائل إلى ملوك وأمراء العالم في ذلك الوقت، ثم كان فتح مكة عام ( 8هـ )، وتبعه دخول الطائف عام ( 9هـ )، وقد شكل هذا المحور مركز الثقل الإسلامي في حروب الردة .

ولعل ثبات أهل المدينة ومكة والطائف بأكملهما على الإسلام يعود إلى أن سكان هذه المدن الثلاثة نالوا حظاً من التربية الإسلامية والتوجيهات النبوية أكثر من سواهم، وتعرفوا على تعاليم الإسلام عن كثب، وتفقهوا في الدين .

وترجع عوامل الردة في المناطق الأخرى، إلى عدم تغلغل الإيمان في القلوب لتأخر إسلامهم وبسبب قصر الزمن الذي تم فيه تبليغ الدعوة، وطبيعة الأعراب المتسمة بالجفاء مع ضعف المستوى الثقافي، مما جر إلى ضعف فقه تعاليم الدين وخاصة بالنسبة للزكاة التي اعتبرها البعض ضريبة مهينة، واستثقلوا الصلاة والعبادات الأخرى، كما أن العصبية القبلية لا زالت عميقة في تلك البلاد النائية ووسط نجد، حيث ترى القبائل أنها أضخم عدداً وعدة من قريش وبالتالي فهي أولى بالزعامة، وعلى الأقل لم تكن ترضى بالخضوع لحكم قريش .

وقد اعتمدت الدولة الإسلامية على سند قوي من القبائل والأفراد الذين ثبتوا على الإسلام، في قمع الردة، فقد اعتمدت على أهل المدينة ومكة والطائف وما حولها من قبائل، ومن ثبت في قبيلته في مراكز الردة – كما سيأتي –، في تجهيز الجيوش للقضاء على المرتدين .

ممن ثبت في الحجاز :-

ثبت المكيون والثقفيون والمدنيون، وقد اتفق المؤرخون على ذلك، حيث كانوا سنداً وعوناً بعد الله عز وجل للدولة الإسلامية في قمع المرتدين أمثال قبائل غطفان وذبيان، غير أن بعض القبائل المقيمة بين مكة والمدينة والطائف، قد ثبتت على إسلامها أمثال مُزينة وغِفار وجُهينة وبَليّ وبعض أشجع وأسلم، وثقيف، وعبس وطوائف من بني سليم، وطيء وهُذيل وأهل السرّاة وبجيلة وخثعم . انظر حروب الردة لــ / الكلاعي ( ص : 41-42 ) وتاريخ / الطبري (3/242)، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث / كعب بن مالك الأنصاري إلى أسلم وغفار ومزينة وجُهينة، فعندما بلغهم خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أدّوا صدقاتهم إلى الخليفة / أبي بكر رضي الله عنه، وكذلك فعل بنو كلب، إذ بعثوا بصدقاتهم مع / بشير بن سفيان الكعبي . وبعثت أشجع صدقاتها مع / مسعود بن رخيلة الأشجعي . فاستعان رضي الله عنه بذلك كله على قتال المرتدين . وبعث / أبو بكر الصديق إليهم يأمرهم بجهاد أهل الردة، فاستجابوا له، وحتى قبيلتي أسد وغطفان لم تكن جميعها مع / طليحة الأسدي، في ردته، بل كان منها جماعة ثبتوا على الإسلام . حروب الردة لــ / الكلاعي ( ص : 67 ) وكتاب الفتوح لــ / ابن أعثم (1/12)

وقد زعم د / عبد المنعم ماجد : أن قبائل شمالي الحجاز مثل، جذام وكلب وقضاعة وعذرة وبلي، ارتدت عن الإسلام مثل غيرها من قبائل الجزيرة، هذا ما قاله في كتابه الذي يُعد من المراجع الهامة والأساسية في بعض الجامعات العربية والإسلامية، حتى إنه طبع عدة مرات . انظر كتابه : التاريخ السياسي للدولة العربية ( ص : 146، 158-159 )، وهو كتاب فيه طامات وأوابد وخزعبلات، انظر : كتب حذر منها العلماء (2/117)

وهناك / علي إبراهيم حسن الذي يقول : إنه لم يبق مخلصاً للإسلام ومطيعاً لــ / أبي بكر رضي الله عنه إلا سكان المدينة ومكة والطائف، وذكر أن غطفان ومن حولها انضمت إلى / طليحة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . انظر كتابه : التاريخ الإسلامي العام - الجاهلية - الدولة العربية - الدولة العباسية ( ص : 219-221 )

والثالث هو د / السيد عبد العزيز سالم الذي كتب : (فقد ارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية
ونجم النفاق وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى جمعهم الله على / أبي بكر … ) وحينها لم يكن صورة موقف بعض المسلمين في المناطق البعيدة واضحة . وعند حديثه عن موقف / أبي بكر من الردة يذكر أن عامة العرب وخاصّتهم قد ارتدت باستثناء قريش وثقيف . وفي معرض حديثه عن ردة / طليحة، يقول بأن أسد وغطفان وطيء وكنانة قد انضمت جميعها إليه . انظر كتابه : تاريخ الدولة العربية - تاريخ العرب منذ عصر الجاهلية حتى سقوط الدولة الأموية ( ص : 433 ، 442 ) وهذا الذي كتبه الدكتور، أثر لــ / عائشة رضي الله عنها ذكره / ابن خياط في تاريخه بلفظ قريب من هذا ( ص : 102 )، وساقه / ابن هشام بدون إسناد (4/235)، و / ابن أبي شيبة في المصنف (14/572)، ولكن / عائشة رضي الله عنها تعني بقولها هذا : بعض العرب القريبين من المدينة، والذين هاجموا المدينة عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .

ويذكر د / محمد أسعد طلس، أن بني طيء وغطفان وأسد قد خرجوا عن الإسلام بالمرة وارتدوا وتابعوا المتنبئ / طليحة الأسدي . انظر كتابه : الخلفاء الراشدون : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ( ص : 20)

وزاد الشيخ / علي الطنطاوي، على ما قالوا وأيده؛ حيث يقول : وفي ذلك الظرف .. كانت الردة
وانتقص أمر الناس فاستشرى النفاق في المدينة، ورفع المنافقون رؤوسهم التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أذلها بالحق، وجعلت الأخبار تصل إلى المدينة تباعاً بأن العرب ارتدوا قبيلة بعد قبيلة، وانتشرت الردة انتشار النار في الهشيم، حتى لم يبق في الجزيرة كلها إلا ثلاثة مساجد لم تصل إلى أهلها الردة وهي؛ مكة والمدينة والبحرين . انظر كتابه : أبو بكر الصديق ( ص : 13 )

ويقول / السيد حسن بريغش : ( … وبلغت الردة حداً غطت فيه وجه الجزيرة العربية ما عدا مكة والمدينة؛ وارتدت أسد وغطفان وطيء وعليهم / طليحة الأسدي، وارتدت الأعراب والقبائل حول المدينة من بني عبس وبني مرة وذبيان وبني كنانة، ويؤكد ما يقوله عندما يشير في مكان آخر إلى أن الجزيرة العربية قد ارتدت كلها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . انظر كتابه : ظاهرة الردة في المجتمع الإسلامي الأول ( ص : 100-101، 119 )

ويضيف / محمد حسين هيكل أن العرب كلها قد ارتدت عن الإسلام، وأن الأرض تضرمت ناراً في شبه الجزيرة العربية . انظر كتابه : الصديق / أبو بكر ( ص : 71 )

وكذلك د / جمال الدين سرور، الذي يقرر أن القبائل العربية قد انتفضت قبيل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وزاد خطبها على إثر وفاته . انظر كتابه : الحياة السياسية في الدولة العربية الإسلامية خلال القرنين الأول والثاني بعد الهجرة ( ص : 19-20 )

هذا ما قاله هؤلاء الأساتذة عن فتنة الردة، فيما يتعلق بالجانب الذي يتناوله هذا المبحث .

أما فيمن ثبت من القبائل فقد كان لــ / ضرار بن الأزور - ( ت13هـ ) انظر ترجمته في الإصابة (3/481-483 ) والتاريخ الكبير (4/338-339 ) -، الدور الفعال في ثبات قبيلته؛ إذ كتب إلى أهل الصلاح من بني أسد يدعوهم إلى التمسك بالإسلام .

وممن ثبت على الإسلام في هذه المنطقة من بني عامر بن ربيعة / أبو حرب ربيعة بن خويلد العقيلي - انظر نسبه وخبره في : الإصابة (2/463) وأسد الغابة (2/210) -، الذي وقف في وجه قومه وذكّرهم بإعانتهم لــ / عامر بن الطفيل في قتل المسلمين يوم بئر معونة - إشارة إلى مأساة بئر معونة التي قتل فيها مشركو نجد نحو سبعين من الصحابة عرفوا بالقرّاء، انظر خبرهم في / البخاري مع الفتح (7/437-438) -، لكنهم لم يستجيبوا له .

وممن لم يرتد كذلك من بني عامر، أسرة / علقمة بن علاثة بن عوف الأحوص بن جعفر - كان من المؤلفة قلوبهم، كما جاء في الاستيعاب (3/126)، ثم أسلم وهاجر وبايع، كما جاء في الطبقات (1/272، 311) - .

ومن المرجح أن / قرّة بن هبيرة أحد سادات بني عامر بن صعصعة، لم يرتد عن الإسلام؛ لأنه قام في قومه خطيباً محذراً لهم ومخوفاً من / خالد بن الوليد رضي الله عنه، وطلب منهم تقوى الله والرجوع إلى دينه، انظر : كتاب الفتوح لــ / ابن أعثم (1/16) وحروب الردة ( ص : 83-88 ) وفي حواره مع / الصدّيق رضي الله عنه عندما مثل أمامه ما يدل على عدم ردته، وبرر موقفه السلبي من المرتدين، وعدم إعانته للمسلمين بأنه كان له مال وولد، فتخوّف من سلب ذلك منه إن هو عارض المرتدين، ولهذا عفا عنه / الصديق رضي الله عنه . انظر : الإصابة (5/438-439)

ومما يدل على ثبوت بعض بني عامر وبعض هوازن على الإسلام، ما جاء في خبر / الفجاءة السلمي كما تقول رواية عند / الطبري، من أنه شنّ غارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن، فبلغ ذلك / أبا بكر فأرسل إلى / طريفة بن حاجز، يأمره أن يجمع له وأن يسير إليه . تاريخ / الطبري (3/264) وكذلك، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، لــ / الديار بكري (2/202) والاستيعاب (2/776) وأسد الغابة (3/75)، والإصابة (3/518-519 )

وثبتت جماعة من بني ذُبيان، وكان ذلك سبباً في تعرضهم لفتك المرتدين، ولذلك أقسم / أبو بكر أن يقتل من كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة . انظر : البداية والنهاية (6/313) والكامل (2/345) والطبري (3/246) .

وثبت كذلك جماعات من بني سليم، ولذلك فإنه عندما ولي / أبو بكر، كتب إلى / معن بن حاجز فاستعمله على هؤلاء الذين ثبتوا، وقد قام فيهم قياماً حسناً وذكرهم بسنة الموت لكل الناس ومنهم الرسل والأنبياء وقرأ عليهم آيات من القرآن في هذا الشأن، فاجتمع إليه خلق كثير، وعندما وجه / أبو بكر / خالد بن الوليد إلى الضاحية - هي المنطقة شرقي خيبر إلى تخوم الغربية لمنطقة اليمامة، وفيها تفجرت فتنة / طليحة الأسدي -، كتب إلى / معن بأن يلحق بــ / خالد هو ومن معه من المسلمين وطلب منه أن يستعمل على عمله / طريفة بن حاجز، وممن ثبت على الإسلام جماعات من بني كلب، على رأسهم / امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي - كان من عمّال النبي صلى الله عليه وسلم أرسله عاملاً إلى كلب -، وقد كتب إليه / أبو بكر طالباً منه السير بمن معه إلى / وديعة الكلبي الذي ارتد، وثبتت في هذه المنطقة جماعات من بني القين على رأسهم / عمرو بن الحكم عامل النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه / الصديق أن يسير إلى / زُميل و / معاوية الوائلي زعيمي الردة في ناحيته لقمع ردتهما، وثبتت كذلك جماعة من قضاعة . انظر خبرهم جميعاً عند / الطبري (3/243)

وثبت / معاذ بن يزيد بن الصعق العامري من هوازن، حيث كان له في قومه شأن كبير؛ فلما عزم قومه على الردة جمعهم وخطب فيهم خطبة طويلة يحثهم فيها على الرجوع إلى الإسلام، ويقبح لهم الردة ويحذرهم من غضب الله، فلما لم يقبلوا منه ارتحل بأهله وبمن أطاعه من قومه . وقد أكد هذه الحقيقة غير واحد من المؤرخين، منهم / ابن حجر، و / ابن عبد البر . الإصابة (6/301-302)

خبر ردة طيء :-

أما طيء فإن خبر ردتها وإسلامها يحتاج إلى وقفة قصيرة، فقد زعم بعض الكتاب أن طيء قد ارتدت
وساندت / طليحة الأسدي، فقد قال الشيخ / محمد الخضري بك في كتابه : إتمام الوفاء في سير الخلفاء ( ص : 22 ) : إن العرب ما لبثت بعد أن علمت بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتدت، ولم يبق أحد متمسكاً بدينه منهم إلا قريش، وثقيفاً بالطائف وقليلاً من غيرهم، وأن طيء وأسد ومن تبعهم من غطفان قد ارتدوا وتابعوا / طليحة الأسدي .

وما ذكرت قبل قليل من أمثلة أخرى تؤيد هذا الرأي، لكن الحقيقة هي أن / عدي بن حاتم الطائي، لم يتردد في ثباته على الإسلام الذي تمكن من نفسه، فعندما بلغه خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت بحوزته إبل عظيمة اجتمعت له من صدقات قومه، فراودوه في أن يردها إليهم متعللين بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبردّة بعض جيرانهم من أسد وغطفان، لكنه وقف منهم موقفاً عظيماً حين أقسم ألاّ يفعل ما هموا به ماداموا قد دخلوا في الإسلام طائعين غير مكرهين، وعدّ ما يريدونه لوناً من ألوان الغدر والخيانة وغواية الشيطان والجهل بالدين، واستعمل معهم ما يستطيع من وسائل الترغيب والترهيب وتبيان الحق، ولما رأت طيء هذا الموقف الجاد والحق الواضح والإيمان الراسخ من / عدي، استجابت لدواعي الإيمان ولعنت الشيطان . حروب الردة لــ / الكلاعي ( ص : 51، 69)

وأصبحت طيء بفرعيها : الغوث وجديلة من أخلص أعوان / خالد بن الوليد في قتال أهل الردة من أسد وغطفان ومن تابع / طليحة الأسدي، وبذلك وصف بعض المؤرخون / عدياً بأنه كان خير مولود في أرض طيء، وكان من القادة المساعدين لــ / ابن الوليد / الطبري (3/253-255) وفتوح / ابن أعثم (1/14) والكامل (2/25) وتاريخ الخميس (2/202، 205) وقد خلط المؤرخون المحدثون بين موقف طيء في بداية الردة وما استقرت عليه في آخر المطاف .

ممن ثبت في بلاد اليمن :-

وقد ثبت فيها قوم كثير وقاوموا / الأسود العنسي الذي ادعى النبوة، وتمكنوا من قتله في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وقاتلوا من حدثته نفسه بالفتنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن تصل إليهم جيوش الخلافة الإسلامية بقيادة / المهاجر بن أبي أمية و / عكرمة بن أبي جهل لمساعدتهم، وبمساعدة الأبناء - هي طائفة باليمن من أصل فارسي، قبلت الإسلام في أول أمره وثبتت عليه ثباتاً عظيماً في فتنة / العنسي ومن جاء بعده . انظر : الطبقات لــ / ابن سعد (1/260) -، الذين أبدوا ذكاءً وشجاعة عظيمة في هذا الميدان، حيث قاتلوا بأنفسهم واستنهضوا القبائل والأفراد ممن بقي على إسلامه، وقضوا على الفتنة، لا سيما فتنة / عمرو بن معدي كرب، وهو من فرسان العرب من قبيلة مذحج، أسلم بالمدينة عندما قدمها مع وفد قومه زبيد، ارتد عن الإسلام ثم رجع إليه، هاجر إلى العراق وأبلى بلاءً حسناً في القادسية . انظر : الطبقات (5/525-526) و سيرة / ابن هشام (4/175-176) والاستيعاب (3/1201-1205)

وذكر / الكلاعي أن النخّع وجُعفى لم تتبعا / العنسي عندما نزل بغمدان من بلاد اليمن، مما دعاه إلى المغادرة والاتجاه نحو صنعاء، فأبى أهل نجران وصنعاء من الأبناء أن تتبعه، مما اضطره إلى استذلالهم وقهرهم والإساءة إليهم . وثبتت كذلك قبيلة قيس حيث أن / الأصفر العكي خرج وجماعة من قومه ممن ثبت على الإسلام حتى دخل نجران وهو يريد قتال بني الحارث بن كعب، فلما دخل عليهم رجعوا إلى الإسلام من غير قتال، ثم أمر / الصديق رضي الله عنه / المهاجر بن أبي أمية أن يستنفر من مّر به من مضر ويقويهم بمال أعطاه إياه / أبو بكر . وقد اجتمع إلى / خالد بن سعيد بن العاص من ثبت على الإسلام باليمن من مُرادَ وسائر مذحج - قبيلة / العنسي - فلقي بهم المرتدين من زُبيد وهزمهم . حروب الردة ( ص 114، 216، 219 - 220 )

وجاءت روايات في تاريخ / الطبري (3/229-230) بهذا الخصوص :-

الرواية الأولى : أن أول من اعترض على / العنسي وحاربه / عامر بن شهر الهمداني - انظر : الإصابة (3/583) ويقول عنه / ابن حجر : كان أول من اعترض على / العنسي لما ادعى النبوة، وكان أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن . -، و / فيروز - من الأبناء وكان ممن بعثه / كسرى إلى اليمن مع / سيف بن ذي يزن فطردوا الأحباش وغلبوا على اليمن، وعندما بلغه خبر النبي صلى الله عليه وسلم جاء فأسلم وهو ممن شارك في قتل / العنسي، وعن ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في خبر صحيح : ( قتله الرجل الصالح / فيروز الديلمي )، انظر : المسند (1/263) مات في خلافة / عثمان رضي الله عنه، انظر : الطبقات (5/533-534) والإصابة (5/379-381) وأسد الغابة (4/371) -، و / داذويه - من الأبناء وكان شيخاً كبيراً أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيمن قتل / العنسي، قُتل غيلة في ردة / قيس بن مكشوح، انظر : الطبقات (5/534-535) والإصابة (2/397-398) والاستيعاب (2/461) -، كلٌ في ناحيته .

الرواية الثانية : أن أتباع / العنسي كانوا من عوام – جهال - قبيلة مذحج .

الرواية الثالثة : أن عمال النبي صلى الله عليه وسلم انسحبوا من مناطق فتنة / العنسي وبعد مقتل / باذان - كان عامل / كسرى على اليمن، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى / كسرى يدعوه إلى الإسلام فمزق الكتاب وأرسل إلى / باذان يطلب منه قتل رسول الله فأرسل رجلين، فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بهلاك / كسرى على يد ابنه / شيرويه، فعادا إلى اليمن وقصّا ذلك على / باذان فأسلم، وهو من الأبناء، عينه النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن، انظر : زاد المعاد (1/125) -، فنزل / معاذ بن جبل رضي الله عنه في السكون، و / أبا موسى الأشعري نزل في السكاسك - وهما قبيلتين عربيتين في جنوبي الجزيرة العربية، آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينهما . انظر : الطبقات (7/424) - وهذا مما يدل على ثبات هاتين القبيلتين على الإسلام -، وأن / الطاهر بن أبي هالة أقام وسط عك بتهامة، إذ كانوا يقفون في وجه / العنسي . وجاء في رواية أن / أزاد - انظر خبرها ودورها في قتل / العنسي في مصادر مثل : الطبري ( 3/232) و (3/239) -، امرأة / شهر بن باذان الذي قتله / الأسود وتزوجها، كانت ممن يخفي إسلامه، فتعاونت مع الأبناء و / قيس بن عبد يغوث على قتل / الأسود، وكانت صاحبة دور هام في هلاكه؛ وذلك لصدق إسلامها وإسلام معظم أهل اليمن .

وما ذكره / ابن الأثير من روايات جاء فيها أن من الذين ثبتوا في اليمن على إسلامهم ونصروا الأبناء وهزموا معهم / قيس بن عبد يغوث، بنو عقيل بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، بقيادة / معاوية العقيلي - انظر / الطبري (3/325) والكامل (2/46) والإصابة (6/302-303) وهو ممن أعان على استنقاذ أبناء / فيروز الديلمي من / قيس -، وجماعة من عك وعليهم / مسروق العكي - الطبري (3/328) والإصابة (6/92-93) ولقد تمكن مع / الطاهر بن أبي هالة من القضاء على فتنة بعض العكيين والأشعريين بتهامة، انظر / الطبري (3/320) - وأرسل أهل نجران وفداً إلى / أبي بكر يجددون له العهد ويبايعونه بالخلافة . وأمّا بجيلة فقد رد / أبو بكر الصديق / جرير بن عبد الله البجلي وأمره أن يستنفر من قومه من ثبت على الإسلام ويقاتل بهم من ارتد وأن يأتي خثعم فيقاتل من ارتد منهم . الكامل (2/45)

من ثبت في بني تميم :-

بني تميم لم ترتد كلها كما حاول أن يصور ذلك بعض المؤرخين المحدثين؛ فقد قال د / عبد المنعم ماجد، إنه كانت هناك امرأة ذات شخصية غير واضحة واسمها / سجاح … وقد أقبلت عند قومها من بني تميم، الذين التفوا حولها … انظر كتابه : التاريخ السياسي للدولة العربية ( ص : 150)

ويقول أ / شبير أحمد الباكستاني، حين يتحدث عن / سجاح : إن عامة بني تميم وجماعة من أمرائها قد استجابوا لها ولدعوتها . في كتابه : عصر الصديق رضي الله عنه ( ص : 158-159 )

ويقول / بريغش : وارتدت بنو تميم مع / سجاح الكاهنة، ولم يبقى إلا المدينة ومن والاها على الإسلام الصحيح … انظر كتابه : ظاهرة الردة ( ص : 101)

والحقيقة أنه لقوة إسلام وثبات بعض بطون وأفراد ورؤساء بني تميم، فقد استطاع / مالك بن نويرة إقناع / سجاح عندما أقبلت في جمعها لتغزوا المدينة، بقتال الثابتين من قومها على إسلامهم قبل قتالها / أبي بكر الصديق، وعندما واجهت مسلمي تميم تلقت على أيديهم هزيمة نكراء مما جعلها تغير اتجاهها عن المدينة إلى اليمامة، حيث تم الاتفاق مع / مسيلمة الكذاب على حرب الإسلام، وقد تقاربت الروايات التاريخية لتؤكد هذه الحقيقة . انظر / الطبري (3/269-272) والكامل (2/31) وحروب الردة ( ص : 94)

وقد انحاز إلى / مالك بن نويرة بنو حنظلة عشيرته الأقربون وأسندوا إليه أمرهم، وثبتت بعض قبائل تميم والتي كان عمال النبي صلى الله عليه وسلم عليها، أمثال / الزِّبرقان بن بدر على الرباب، وعوف والأبناء – تشير الرواية هنا إلى قبائل من بني تميم، انظر : معجم القبائل القديمة والحديثة لــ / عمر كحالة (1/3-4) - و / قيس بن عاصم على مقاعس والبطون و / صفوان بن صفوان على بَهْدى و / سبرة بن عمرو على خضم و / وكيع بن مالك على بني حنظلة، فعندما جاء خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قدم / صفوان بصدقات قومه بني عمرو وما ولي منها، وبما ولي سبرة و / الزبرقان . انظر / الطبري (3/267-268)، وانظر خبر وفد بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سيرة / ابن هشام (4/157-163)

ويدل مضمون هذه الرواية على أن من ثبت على الإسلام من بني تميم كان أكثر من المرتدين والمترددين، فمانعوا الزكاة هم : بنو حنظلة ومقاعس والبطون وهي ثلاثة بطون .

وتؤكد رواية عند / ابن الأثير، ثبات جماعات من بني تميم على الإسلام ووقوفهم في وجه المرتدين وفي وجه / سجاح بالذات، فإنها لم تتمكن من اجتياز أرضهم إلى المدينة، ولذلك سارت إلى اليمامة . الكامل (2/31)

أما عن / وكيع و / سماعة أحسّا بقبح ما أتيا فرجعا رجوعاً حسناً ولم يتجبرا وأخرجا الصدقات واستقبلا بها / خالداً / الطبري (3/271)

ممن ثبت في اليمامة :-

انظر حول ردة بني حنيفة مقال بعنوان : الثابتون على الإسلام في مواطن بني حنيفة أثناء ردة / مسيلمة، للأستاذ / عبد الله بن محمد ناصر سيف في مجلة جامعة الملك سعود، الآداب (1) المجلد (10) وحركة / مسيلمة الحنفي لــ / إحسان صدقي العمد، حوليات كلية الآداب (10)، جامعة الكويت . والثابتون على الإسلام أيام فتنة الردة للدكتور / مهدي رزق الله أحمد ( ص : 50-58 )

لقد طغت ردة / مسيلمة الكذاب باليمامة على أخبار من ثبت فيها بصفة عامة وفي بني حنيفة قوم / مسيلمة بصفة خاصة، بل إن كثير من الكتاب المحدثين قد أغفلوا ذكر المسلمين الذين تمسكوا بإسلامهم في فتنة / مسيلمة، وواجهوا وساندوا الجيوش الإسلامية .

ذكر / علي إبراهيم حسن : أن / مسيلمة الكذاب استطاع أن يضم قبيلته إلى جانبه وكذلك ضم قبيلة تميم إلى جانبه عندما تزوج بــ / سجاح التميمية . انظر كتابه : التاريخ الإسلامي العام ( ص : 220 )

وقال د / محمد أسد طلس : أن بنو حنيفة ارتدت وتابعت / مسيلمة الكذاب . انظر كتابه الخلفاء الراشدون ( ص : 20)

ويضيف الشيخ / الخضري بك : أن بنو حنيفة ارتدوا عن الإسلام وتابعوا / مسيلمة الكذاب . انظر كتابه : إتمام الوفاء في سير الخلفاء ( ص : 22، 31 )

وكذلك قال د / توفيق محمد برو عند تناوله خبر المتنبئين : ومنهم / مسيلمة الكذاب من بني حنيفة، الذي انضمت إليه قبيلته وقبيلة تميم بعد أن تزوج الكاهنة / سجاح . انظر كتابه : التاريخ السياسي والحضاري لصدر الإسلام والخلافة الأموية ( ص : 98-99 )

وقد أنصف / ابن أعثم حين ذكر خبر الثابتين فقال : وكان ممن ثبت / ثمامة بن أثال وكان من مشاهير بني حنيفة، وقف في وجه / مسيلمة مع من ثبت من أهل اليمامة، لذا اجتمعت إليه عندما علموا بمسير / خالد إليهم . فتوح / ابن أعثم (1/24-25، 40-41) وخبر / ثمامة في الطبقات (5/550) والإصابة (1/410-412)

وتؤكد رواية في البداية والنهاية لــ / ابن كثير (6/320) دور / ثمامة في حرب / مسيلمة، ومساعدة / عكرمة بن أبي جهل له في هذه المهمة، حيث أن / عكرمة جاء إلى اليمامة قبل / خالد بن الوليد .

وتؤكد رواية عند / الطبري (3/272) و / ابن الأثير (2/35) أن من أسباب مداهنة / مسيلمة لــ / سجاح و / طليحة هو خوفه من أن يغلبه / ثمامة على حجر أو / شرحبيل بن حَسَنة أحد قادة ألوية جهاد المرتدين، أو القبائل التي حولهم .

وتقول رواية متفق عليها عند / الطبري و / الكلاعي و / ابن الأثير و / ابن كثير و / ابن أعثم الكوفي و / ابن عبد البر من أن / ثمامة قد لحق بــ / العلاء بن الحضرمي الذي عقد له / أبو بكر الصديق لواء قتال أهل الردة في البحرين ومعه مسلمو بني حنيفة من بني سُحيم، لذا أكرمه / العلاء ونفله ثياباً فيها خميصة ذات أعلام كانت لــ / الحطم بن ضبيعة أحد قادة المرتدين في البحرين، وكانت سبب في مقتل / ثمامة عندما رآها بنو قيس معه / الطبري (3/312) وحروب الردة ( ص : 197-198 ) والكامل (2/41) والبداية والنهاية (6/328) والفتوح (1/40-41) والاستيعاب (1/213-216)

وممن ثبت في اليمامة كذلك / مجاعة بن مرارة و / سارية بن عامر و / معمر بن كلاب الرُّماني ومن سادات اليمامة الذين يكتمون إسلامهم / ابن عمرو اليشكري الذي كان من أصدقاء / الرجال بن عنفوة - كان في وفد بني حنيفة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أرسله الرسول فقيهاً إلى بني حنيفة ففتن الناس، وكان ممن شهد لــ / مسيلمة حين ادعى النبوة، وكان أعظم فتنة على بني حنيفة من / مسيلمة، وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بفتنته، انظر / الطبري (3/287) والكامل (2/35) وفتوح / ابن أعثم (1/21) -، فأرسله / خالد بن الوليد إلى اليمامة ليخذلهم عن / مسيلمة، إذ لم يكونوا قد علموا بإسلامه، وكانوا قد اغتروا بــ / مسيلمة، فكذبوا / عمرو واتهموه فرجع عنهم، وممن ثبت أيضاً / عامر بن مسلمة ورهطه . انظر : حروب الردة لــ / الكلاعي ( ص : 115-116، 175 )

ممن ثبت في عُمان :-

وقفت الجماعة المسلمة في عُمان مع أميرها / جيفر وأخيه / عبّاد - هما أبناء / الجلندى الأزدي ملك عُمان، بعث إليهما الرسول صلى الله عليه وسلم / عمرو بن العاص فأسلما، انظر خبرهما في : الإصابة (1/542) والاستيعاب (1/275) والطبقات (1/262) و (7/493) وأسد الغابة (1/371)، ويسمي / ابن حجر / عباد باسم / عبيد -، ضد ذي التاج / لقيط بن مالك الأزدي متنبئ عُمان، حتى جاء المدد مع / حذيفة بن محصن الغلفاني، و / عرفجة بن هرثمة البارقي و / عكرمة بن أبي جهل، مع قواد الألوية التي عقدها / الصديق رضي الله عنه لقتال المرتدين . وثبت على الإسلام كل من بني جُديد وبني ناجية وبني عبد القيس كما تقرره روايات كل من / الطبري و / ابن الأثير و / ابن كثير / الطبري (3/314-316) والكامل (2/43) والبداية والنهاية (6/330)؛ وعن ثبات بني عبد القيس انظر كذلك تاريخ الخميس (2/201) حيث قام / سيحان بن صوحان بقيادتهم ليقفوا مع المسلمين في توهين أهل الردة وقتلهم، و / سيحان هذا كان أحد أمراء المسلمين في قتال المرتدين، قتل يوم الجمل مع / علي رضي الله عنه، انظر : الإصابة (3/235-236) والطبقات (6/221)

وثبت كذلك أهل تَبالة من أرض كعب بن ربيعة، الذي انحاز إليهم / عكرمة عندما توفي صلى الله عليه وسلم وقامت فتنة / لقيط . انظر : حروب الردة لــ / الكلاعي ( ص : 208-210 )

ممن ثبت في البحرين :-

فقد ثبت / الجارود بن عمرو بن حنش بن المعلى العبدي الذي قام في قومه وذكّرهم بحقيقة الموت وقرأ عليهم : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ... } آل عمران / 144، فثبتوا ولم يبدلوا كما بدل قوم من ربيعة البحرين . انظر : حروب الردة ( ص : 194 ) و / الطبري (3/303) والبداية والنهاية (6/327-328) وانظر ترجمة / الجارود في : الإصابة (1/441-443) وأسد الغابة (1/311)

ولما بعث / الصديق رضي الله عنه / العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في سنة عشر راكباً، قال له أمعن فإن أمامك عبد القيس، فسار حتى لقيهم ومر بــ / ثمامة فآزره واستنهض المسلمين في تلك الأنحاء، وكان / الجارود يبعث بالرجال المقاتلة إلى / العلاء فاجتمع إليه بذلك جيش كبير قاتل فيه المرتدين، ونصر الله به المؤمنين . وعن موقف بني عبد القيس من الردة انظر : تاريخ الخميس (2/201)، وانظر هذا الخبر في / الطبري (3/305-306) وحروب الردة ( ص : 197 ) وما بعدها، والكامل (2/40-41)

وكان ممن آزر / العلاء لقمع الفتنة / قيس بن عاصم و / عفيف بن المنذر، ومن بني بكر بن وائل / عتيبة بن النهاس و / عامر بن عبد الأسود و / مسمع و / خفصة التميمي، و / المثنى بن حارثة الشيباني وغيرهم . انظر / الطبري (3/305) و (3/310) وفتوح / ابن أعثم (1/38-45)

وقد آزر / العلاء كذلك ممن ثبت في أرض تميم، ولولا تدخل بعض العناصر الأجنبية لصالح المرتدين لما تجرءوا على الوقوف في وجه المسلمين مدة طويلة، حيث أن فارس قد أمدت المرتدين بتسعة آلاف من المقاتلين، وكان عدد المرتدين ثلاثة آلاف وعدد المسلمين أربعة آلاف . الكامل (2/41) وفتوح / ابن أعثم (1/38)

ممن ثبت في حضرموت :-

لما قدم وفد كندة مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عليهم / زياد بن لبيد الأنصاري البياضي من أصحاب بيعة العقبة، وكان رجلاً حازماً أقره / الصديق على كندة بحضرموت، وكان على رأس من ثبت على الإسلام في هذه المنطقة حتى أنقذهم الله بــ / المهاجر بن أبي أمية . انظر : الإصابة (2/586-587)، (6/228-229) والاستيعاب (2/533) وحروب الردة ( ص : 222-223 )

ممن ثبت في مهرة :-

ثبت في هذه البلاد بعض بني محارب وساعدوا / عكرمة في حربه ضد مرتدي قومهم، حيث أنه عندما فرغ / عكرمة و / عرفجة و / حذيفة بن محصن من ردة عُمان، خرج / عكرمة في جنده نحو مهرة، واستعان / عكرمة في القضاء على بقايا فتنة اليمن بمن ثبت على الإسلام من مهرة ومن حولها أمثال، أهل النّجد وأهل رياض الروضة وأهل الساحل وغيرهم / الطبري (3/316-317) و (3/327) والكامل (2/43-44) والبداية والنهاية (6/330-331)

ممن ثبت في شمالي الجزيرة العربية :-

أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر موقف بني شيبان وسيدهم / المثنى بن حارثة في إخماد فتنة الردة في البحرين ومتابعتهم السير على شواطئ الخليج العربي، وإبطال دسائس الفرس، و / المثنى هو الذي قدم على / أبو بكر الصديق وطلب منه أن يبعثه على قومه لأن فيهم إسلاماً ليقاتل بهم أهل فارس، وكان لدوره الفعال الأثر الكبير في فتح العراق فيما بعد، وثبت بني عذرة، حيث كتب / الصديق إلى قائدهم / معاوية العذري يأمره بالجد في قتال أهل الردة في بلاده . انظر : الإصابة ( 6/162 )

ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع كتاب : الثابتون على الإسلام أيام فتنة الردة، د / مهدي رزق الله أحمد، حيث أن المؤلف جمع الروايات الصحيحة في هذا الموضوع وناقشها وفق المنهج العلمي . وكتاب : ترتيب وتهذيب كتاب البداية والنهاية خلافة / أبي بكر الصديق رضي الله عنه، د / محمد بن صامل السلمي ( ص : 78- 124 ) حيث درس المؤلف موضوع الردة دراسة جيدة، وخرج أحاديثه وآثاره . وكتاب : عصر الخلافة الراشدة د / أكرم ضياء العمر ( ص : 387- 412 )

وبعد هذا الذي ذكرت نخرج بنتيجة واحدة وهي : أن كلام المستشرقين في دعواهم : أن العرب قد ارتدوا جميعاً لم يثبت؛ وبما أن هذه الردة الجماعية التي زعموها قد بطلت، بقي أن نقول : أن حجتهم الأخرى وهي : ( إما إن إسلامهم سطحي لأنهم جديدون به، بل مكرهون عليه ) أو ( أنهم لم ينضموا للإسلام بالأصل فالحرب كانت لإجبارهم على الزكاة وبالتالي فلا دليل على أنهم قد دخلوا للإسلام )

الجواب : أولاً : لا دليل على ما تقولون، وبما أنكم لا تملكون أي دليل على ادعائكم هذا، فقد ثبت أن الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية لم يكن للمرتدين أي دور فيها، بل ثبت أن / الصديق قام بالآتي تجاه المرتدين، بعد أن رجعوا إلى الإسلام :-

1 - لم يشرك / الصديق رضي الله عنه أحداً من المرتدين في الفتوح، بل جردهم من السلاح، لأنه لم يأمنهم لحداثة عهدهم بالردة، وعقوبة لهم بإظهار الاستغناء عنهم .

2 - ولأن / الصديق رضي الله عنه لم يشأ للمرتدين أن يكونوا طلائع الفتح الإسلامي، فلا يعطون سكان المناطق المفتوحة المثل الصالح للجندي المسلم .

3 - ولأن الفاتحين لم تستقر أقدامهم في المناطق التي فتحوها، بل كان السكان وخاصة نصارى العرب يثورون عليهم بين الفينة والأخرى، فقد أعيد فتح الحيرة ثلاث مرات، وهذا يفسر لنا أسباب تغيير شروط الصلح مرات عديدة في مناطق السواد .

4 - ولأن سائر المعارك دارت في العراق العربي، بخلاف العراق الفارسي؛ فقد كان لقبيلة شيبان بقيادة قائدها / المثنى بن حارثة الشيباني، وقبيلة سدوس بقيادة قائدها / قطبة بن قتادة السدوسي، والتي تسكنان القسم الجنوبي من العراق، الدور الكبير في الفتوحات في تلك المناطق، فلم يحتج إلى الاستعانة بالمرتدين للمشاركة في فتح تلك المناطق .

5 - ولأن تلك المناطق لم تكن مرتبطة بالمدينة لذا فق أرسل / الصديق رضي الله عنه / خالد بن الوليد و / عياض بن غنم إلى العراق العربي ليتوليا قيادة الجيوش فيه .

6 – كان من ضمن الوصية التي أوصى بها / الصديق رضي الله عنه / خالد بن الوليد وهو يبعثه إلى العراق أن لا يكره أحداً على المسير معه، ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام وإن عاد إليه .

7 – كما وأن / الصديق رضي الله عنه لم يكن واثقاً كل الثقة بهم، لذا كان خائفاً من انحيازهم إلى أعداء الإسلام .

ولما زالت تلك المخاوف بصدق توبتهم، وأصبحت الدولة الإسلامية بحاجة إلى خدماتهم في مواجهة أعدائها، أمر / عمر بن الخطاب رضي الله عنه برفع الحظر عنهم، والاستفادة من خبراتهم العسكرية، كما أمر برد سبايا أهل الردة حتى يشعر العرب جميعاً أنهم أمام شريعة الله سواء، وأنه لا فضل لقبيلة على قبيلة إلا بحسن بلائها، وما تقدمه من خدمات للإسلام والمسلمين .. وقد أثبتوا شجاعة في الحرب .. وصبراً عند اللقاء .. ووفاء للدولة لا يعدله وفاء .. راجع هذه الخطوة التي اتخذها / عمر رضي الله عنه في كتاب : جولة تاريخية في عصر الخلفاء الرشدين لــ / محمد السيد الوكيل ( ص : 89 )

وبهذا تسقط مزاعم هؤلاء المستشرقين بخصوص هذا الموضوع، أما قولهم : إنهم كانوا يقاتلون مكرهين من أجل إجبارهم على دفع الزكاة، فهذه شبهة أخرى باطلة لا دليل عليها، بل ثبت أن من قادة المرتدين وهو / طليحة بن خويلد، بعد أن عاد إلى الإسلام وحسن إسلامه شارك بنفسه في فتوحات العراق في خلافة / الفاروق، وأبلا بلاءً حسناً في الحرب مع الروم، كما كان لغيره من الذي ارتدوا ثم عادوا، فلم يثبت أن أحداً من المرتدين شارك مع المسلمين في قتال ضد الروم أو الفرس، رغماً عنه أو حتى قاتل مجبراً . ومن يقول بغير هذا فعليه بالدليل، والمثبت مقدم على النافي كما هو معلوم .

وللمزيد من هذه الأدلة على أن / الصديق رضي الله عنه لم يستعن بالمرتدين في الفتوحات الإسلامية راجع الكتب التالية : -

1 - سلسلة الطريق إلى المدائن لــ / أحمد عادل كمال، فقد رجح أن / عمر بن الخطاب هو الذي سمح بمن عاد إلى الإسلام وحسن إسلامه من المرتدين بالمشاركة في الفتوحات بعد أن كان ذلك ممنوعا على عهد / أبي بكر الصديق رضي الله عنه . 2 – حركة الفتح الإسلامي لــ / شكري فيصل . وتقبلوا تحيات أخوكم / أبو عبد الله الذهبي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق